الإطار القانونى لتنظيم الانتخابات فى مصر

إعداد/ يسرى عزباوى

مثل قرار تعديل المادة 76 تحولا نوعيا فى نظرة النخبة الحاكمة فى مصر لقضايا الإصلاح السياسي والديمقراطي. وقد جاء هذا التحول استجابة لعدة متغيرات دولية وإقليمية ومحلية أهمها حدوث تغيير في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تجاه النظم العربية فى أعقاب أحداث 11 سبتمبر، والغزو الأمريكي للعراق، فضلا عن ظهور توافق بين القوى السياسية الفاعلة فى مصر حول أولوية الإصلاح السياسى ومضمون الإصلاحات المطلوبة في المرحلة الراهنة. وفتح الإعلان عن تعديل المادة 76 المجال أمام إدخال إصلاحات حقيقية على بنية السلطة والنظام فى مصر بما قد يؤدى إذا ما التزم الحزب الوطني بالوعود التي تقدم بها في إطار حملة الرئيس مبارك الانتخابية إلى انتقال مصر إلى نظام سياسى يضمن الفصل بين السلطات واحترام الحقوق والحريات.
وبعد أن مرت مصر بتجربة انتخابات رئاسية لأول مرة فى تاريخ مصر، ورغم أنها كانت محسومة منذ البداية لصالح مرشح الحزب الوطنى، إلا أنها حركت المياه الراكدة فى الحياة السياسية المصرية، بحيث باتت القوى السياسية المختلفة تطالب بتعديل الدستور والقوانين التى تنظم عمل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، إضافة إلى الأحزاب السياسية والصحافة..إلخ. لذا ثمة ضرورة لمعالجة والتطرق للإطار القانونى الذى ينظم العملية الانتخابية فى مصر.
وبداية، يمكن القول أن التشريعات المنظمة لأحكام الترشيح والانتخابات للمجالس النيابية بمصر قد مرت بأربع مراحل على النحو التالى :

أولا- مرحلة ما قبل الثورة
يكاد يكون هناك اتفاق عام على أن بداية الحياة النيابية فى مصر كانت فى عهد الخديوى إسماعيل. ففى 22 أكتوبر 1866 صدرت لائحة تأسيس مجلس شورى النواب الذى أنشأه الخديوى لتجميل صورته أمام ملوك أوروبا. وبعد عزل إسماعيل وتولى ابنه محمد توفيق عرش مصر أصدر اللائحة الأساسية لمجلس النواب بتاريخ 7 فبراير 1882. ومع احتلال الانجليز لمصر ظهرت نظم أخرى كمجلس شورى القوانين والجمعية العمومية فى أول مايو سنة 1883، ثم الجمعية التشريعية الصادرة بالقانون النظامى رقم 29 لسنة 1913 فى عهد عباس حلمى، وبعد تولى الملك فؤاد عرش مصر وتحت الضغط الشعبى عليه وتأثره بالفكر الإيطالى المنادى بالديمقراطية أصدر أمره الملكى رقم 42 لسنة 1923 والمعروف بدستور 1923، وهو الدستور الذى كان معمولا به عند قيام ثورة 23 يوليو 1952، وإن اختلفت الآراء حول سريان هذا الدستور بعد الثورة حتى صدور الإعلان الدستورى الذى ألغاه فى 10 ديسمبر 1952.
وفى الواقع فقد تضمن دستور 1923 بعض المبادئ المتعلقة بحقوق المصريين وواجباتهم، أما البرلمان وتكوين كل من مجلسى الشيوخ والنواب وطريقة انتخاب كل منهما والمهام المنوطة به فقد أفرد له المواد من 74 – 123 منه، إلا أن النزعة الاستبدادية للملك فؤاد سرعان ما ظهرت، فانتهز فرصة تولى رجل القصر إسماعيل صدقى رئاسة مجلس الوزراء وأصدر الأمر الملكى رقم 70 لسنة 1930 المعروف بدستور سنة 1930 والذى ألغى بموجب المادة الأولى من مواد إصداره دستور 1923 وحل المجلس. وقد تناول هذا الدستور البرلمان ومجلسيه فى المواد 75 – 112 منه التى أبانت شروط الترشيح والانتخاب لكل منهما، ثم أبطل دستور سنة 1930 بمقتضى الأمر الملكى رقم 67 بتاريخ 30 نوفمبر 1934 ليعود العمل بدستور 1923 بالأمر الملكى رقم 118 بتاريخ 12 ديسمبر 1935، وفى ذات السنة صدر قانون الانتخاب رقم 148 لسنة 1935 محدداً لشروط الترشيح وأحكام الانتخاب، وهى لا تختلف فى مجملها عن الشروط الواردة بلائحة تأسيس مجلس شورى النواب، وظل هذا القانون –بعد تعديلات أجريت عليه- مطبقا حتى سنة 1956.

ثانيا- المرحلة الناصرية
يمكن القول أن هذه المرحلة بدأت 10 فبراير 1953 بالإعلان الدستورى ليعلن عن تركيز السلطتين التنفيذية والتشريعية فى يد مجلس الوزراء. أما الرقابة على أعمال الوزارة فتقوم بها هيئة مشتركة تضم مجلس الوزراء ومجلس قيادة الثورة. وقد ظل هذا الوضع قائم حتى صدور دستور 1956، الذى تضمن الكثير من المبادئ التى تتفوق على دساتير دول عريقة فى الديمقراطية، وقد أفرد هذا الدستور لمجلس الأمة الفصل الثانى منه، والذى بدأ بالمادة 65 وانتهى بالمادة 118، ووفقا للمادة 65 فإن "مجلس الأمة هو الهيئة التى تمارس السلطة التشريعية". كما تقضى المادة 67 من الدستور بأن "يتألف مجلس الأمة من أعضاء يختارون بطريق الانتخاب السرى العام، ويحدد القانون عدد الأعضاء وشروط العضوية ويقرر طريقة الانتخاب وأحكامه". كما نصت المادة (192) على أن "يكون المواطنون اتحادا قوميا، للعمل على تحقيق الأهداف التى كانت من أجلها الثورة، ولحث الجهود لبناء الأمة بناء سليما من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويتولى الاتحاد القومى الترشيح لعضوية مجلس الأمة".
وبذلك استحدث دستور 1956 أمرين: الأول، قيام مجلس نيابى واحد بدلا من مجلسين فى ظل دستور 1923. والثانى، النص على ترشيح الاتحاد القومى لأعضاء مجلس الأمة. وتنفيذا لذلك فقد أصدر مجلس الأمة القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية، الذى اعتبر وقت صدوره بمثابة ثورة تشريعية على الرغم من العور الذى شاب بعض نصوصه. وقد دخل على هذا القانون العديد من التعديلات، ولكن كل التعديلات التى خضع لها ذلك القانون لم تخل بجوهره بأى حال من الأحوال وآية ذلك أنه مازال مطبقا أحكام الانتخاب فى القانون رقم 73 لسنة 1956.
ووفقا لنص المادة (1) من هذا القانون فإن "على كل مصرى ومصرية يبلغ عمره ثمانى عشرة سنة ميلادية أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية.....الخ"، ولكن هذا الحق ليس مطلقا لكل من بلغ السن المذكور ولهذا جاءت المادة (2) منه ببيان واف للفئات المحظور عليها مباشرة تلك الحقوق.
وقد أراد المشرع فى القانون رقم 73 لسنة 1956 إحاطة الانتخابات بأكبر قدر من الضمانات القانونية حتى تكون معبرة بحق عن إرادة الأمة والتى تمثلت فى: العمل على منع التلاعب بالأصوات، تبطيل جميع المعلقة على شرط مقيد أو التى تعطى لأكثر أو أقل من العدد المطلوب من المرشحين، أو تلك التى تثبت على بطاقة خلاف التى تسلمها من رئيس اللجنة أو على ورقة عليها أية علامة أو أشارة دالة على الناخب. كما أناط القانون باللجنة العامة، إلى جانب عملية الفرز، مهمة قضائية بحتة هى الفصل فى كافة المسائل المتعلقة بالعملية الانتخابية، وفى صحة أو بطلان إدلاء كل ناخب بصوته، وتكون مداولات اللجنة فى هذه المسألة سرية، وحتى تكتمل هذه السرية فقد خول المشرع لرئيس اللجنة أن يأمر بإخلاء القاعة فإن حضر أعضاء اللجان –وهذا جائز- مداولات اللجنة فلا يكون لهم صوت محسوب فى المداولة.
والجدير بالذكر أن المشرع كفل حياد رجال الأمن، فأناط برئيس اللجنة مهمة حفظ النظام فى قاعة الانتخابات، ولم يجز المشرع دخول رجال الأمن قاعة الانتخاب –وهو ما لم يحدث فى أى الانتخابات حتى الآن- إلا بناء على طلب رئيس اللجنة، وذلك ضمانا لحيدتهم وإبعادهم عن التأثير فى الانتخاب القانونى – رقم 246 لسنة 1956 بإصدار قانون عضوية مجلس الأمة. وقد نصت المادة الأولى منه على أن مجلس الأمة يؤلف من 350 عضوا يختارون بطريق الانتخاب السرى العام، وقضت المادة الثانية بتقسيم الجمهورية إلى دوائر انتخابية عددها 350 دائرة، وتحدد هذه الدوائر بقانون يراعى فيه أن تكون كل مديرية أو محافظة وحدة انتخابية مستقلة، بحيث يتناسب عدد دوائرها الانتخابية مع نسبة عدد سكانها إلى مجموع سكان الجمهورية المصرية.
أما بالنسبة للشروط الواجب توافرها فى المرشح فقد حددتها المادتان (3-4) وهى:
- ضرورة توافر صفة الناخب التى حددها القانون 73 لسنة 1956 إلا أن بالنسبة للمكتسب الجنسية المصرية، فيشترط مرور عشر سنوات على تجنسه، إلا إذا أعفاه وزير الداخلية من هذا القيد، خاصة إذا كان قد انضم للقوات المصرية وحارب فى صفوفها.
- يشترط أن لا يقل سنه عن 30 سنة ميلادية يوم الانتخاب.
- أن يكون محسنا للقراءة والكتابة لا معرفتها فقط.
- ألا يوجد لديه مانع قانونى، والموانع ثلاثة، الانتماء إلى الأسرة المالكة السابقة، وصدور قرار من مجلس قيادة الثورة بالحرمان، والوضع تحت التحفظ بقرار من وزير الداخلية.
دفع خمسين جنيها كتأمين يودع فى خزانة المحافظة أو المديرية (مادة 5).
- أن يرشحه الاتحاد القومى.
ومن الأهمية الإشارة إلى الإعلان الدستورى الصادر فى 27 سبتمبر 1962 الذى أعاد الأوضاع إلى ما يشبه الأوضاع السابقة على دستور 1956، فقد نصت المادة (3) على "أن يتولى رئيس الجمهورية إصدار المعاهدات والقوانين والقرارات التى يوافق عليها مجلس الرئاسة"، ونصت المادة (9) على أن "يقر مجلس الرياسة السياسية العامة للدولة فى جميع النواحى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية ويراقب تنفيذها". وتنص المادة (11) على أن "يراقب مجلس الرياسة أعمال المجلس التنفيذى وقراراته، وله أن يلغى أو يعدل هذه القرارات". وبذلك نقلت اختصاصات مجلس الأمة إلى مجلس الرئاسة الذى يرأسه رئيس الجمهورية.
وجاء دستور 1964 فأقر الأوضاع السابقة، ولكنه أقر وضعا جديدا وهو جواز تعيين بعض الأعضاء فى المجلس بقرار من رئيس الجمهورية بحيث لا يزيدون عن عشرة.
نافلة القول، أنه مازال جوهر القانون رقم 73/56 هو الذى يحكم العملية الانتخابية إلى يومنا هذا، حتى أن بعض شروط هذا القانون غير متوفرة فى أعضاء اليوم مثل شرط القراءة والكتابة. وقد أجريت انتخابات مجلس الشعب عدة مرات فى ظل العمل بهذا القانون، ولم يسمع أحد أن الانتخابات قد جرى تزويرها إلا فى التسعينات، وهو ما يتواكب مع تغلغل بعض الفئات من أصحاب الثروات غير المشروعة والتى تسعى إلى عقد البرلمان لكى تتسلح بالحصانة البرلمانية، حتى لا تلاحقها الجهات الأمنية، لتقديمها للعدالة. ويؤخذ على القانون توسعه فى السلطات المخولة لوزارة الداخلية، وليس لوزارة العدل فيها إلا مجرد أمور صورية بسيطة، لا تتفق مع ما يجب أن يكون عليه دورها فى هذه العملية الخطيرة التى تسهم بشكل مباشر فى صياغة حياة الأمة.

ثالثا- المرحلة الساداتية
عقب قيام الرئيس السادات بالتخلص من مراكز القوى -التى كانت على خلاف معه- فى أحداث 15 مايو سنة 1971 والتى أطلق عليها ثورة التصحيح، كلف اللجان المختصة بوضع دستور للبلاد، وبعد ان أصدره فى 11 سبتمبر 1971 سماه الدستور الدائم، ونظرا لقرب وقت صدوره من الحقبة الناصرية فقد حمل مسحة من مبادئ وأفكار الناصرية.
وقد تناول الدستور السلطة التشريعية فى المواد من 86 – 136 منه، وقد أطلق عليها اسم "مجلس الشعب" بدلا من مجلس الأمة الذى كان سائدا قبل صدوره. وقد حددت المادة 86 منه المهام المنوطة بمجلس الشعب، أما المادة 87 فقد قضت بأن يحدد القانون الدوائر الانتخابية التى تقسم إليها الدولة، وعدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين على ألا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضوا، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين، ويكون انتخابهم عن طريق الانتخاب المباشر السرى العام وبين القانون تعريف العامل والفلاح. ويجوز لرئيس الجمهورية أن يعين فى مجلس الشعب عددا من الأعضاء لا يزيد على عشرة. أما المادة 88 من الدستور فقد نصت على أن "يحدد القانون الشروط الواجب توافرها فى أعضاء مجلس الشعب، وبين أحكام الانتخابات والاستفتاء على أن يتم الاقتراع تحت أشراف أعضاء هيئة قضائية. وهذا النص – كما قالت المحكمة الدستور العليا- غير مسبوق ولم تعرفه الدساتير المصرية من قبل.
واستحدث دستور 1971 حكمين: الأول، أن يبين القانون تعريف العامل والفلاح "دون أن يحيل إلى إقرار الميثاق، ولكن القرار الجمهورى بالقانون رقم 106 لسنة 1971" بتعديل بعض أحكام القانون رقم 158 لسنة 1963 فى شأن مجلس الأمة "لم يضع هذا التعريف، وإنما غير اسم مجلس الأمة إلى "مجلس الشعب"، ليتمشى مع تسمية الدستور له. أما الحكم الثانى، أن "يحدد القانون الشروط الواجب توافرها فى أعضاء مجلس الشعب، وبذلك فتح الباب أمكانية التعديل ، إلا أن القانون 73 لسنة 1971 بشأن الترشيح لعضوية مجلس الشعب أقر القانون رقم 185 لسنة 1963.
وقد استلزم تنفيذ هذا النصوص صدور القانون رقم 38 لسنة 72 فى شأن مجلس الشعب، والذى عدل حوالى ست مرات. وتلاه بعد ذلك صدور القانون رقم 120 لسنة 1980 فى شأن مجلس الشورى. كما خضع القانون رقم 73 لسنة 1956 لعدة تعديلات بعضها جوهرى وبعضها غير جوهرى ليتواكب مع المتغيرات السياسية والاقتصادية التى طفت على سطح المجتمع المصرى.
وقد حددت المادة الأولى من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب أعضاء مجلس الشعب بـ(440) عضوا يختارون بطريق الانتخاب المباشر السرى، على أن يكون 50% منهم على الأقل من العمال والفلاحين، ويجوز لرئيس الجمهورية تعيين 10 أعضاء على الأكثر فى المجلس، أما باقى نصوص القانون فقد بينت المقصود بالفلاح والعامل المشار إليها ومدة المجلس والشروط الواجب توافرها فى المرشح لعضوية المجلس، وكيفية الترشيح وما قد يثار بصدده من مشاكل وكيفية حلها، والجهة المختصة بنظر هذه المشاكل والفصل فيها والحقوق المخولة للمرشح، وحكم العضو بعد دخوله المجلس، وما يتعين عليه أن يسلكه بداخله، أما المادة 3/1 من ذلك القانون والمعدل بالقانون رقم 901/1976 فقد قضت بأن تقسم جمهورية مصر العربية إلى دوائر انتخابية وتحدد هذه الدوائر طبقا للقانون الخاص بذلك وينتخب عن كل دائرة عضوان يكون أحدهما على الأقل من العمال والفلاحين.

رابعا- فى عهد مبارك
وفى انتخابات 1984 اتخذت مصر نموذجا خاصا جدا، فالدوائر إقليمية، ونسبة الـ50% من الفلاحين والعمال وظيفية، والقوائم الحزبية لا يمكن أن تكون تمثيلا نسبيا، فما اتبعه المشرع فى تعديل القانون 38 لسنة 1972 (عام 1983) ليس تمثيلا نسبيا لقوى المجتمع، وإنما توزيع "نسبى" لأصوات المصوتين، فقد حرص المشرع على "القوائم الحزبية" وعلى طريقة إسناد المقاعد أكثر من حرصه على تمثيل المجتمع، فتقرر المادة (الخامسة مكرر): "يكون انتخاب أعضاء مجلس الشعب عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية، ويكون لكل حزب قائمة خاصة به، ولا يجوز أن تتضمن القائمة الواحدة أكثر من مرشحى حزب واحد،... ويجب أن تتضمن كل قائمة عددا من المرشحين مساويا للعدد المطلوب انتخابه فى الدائرة وعددا من الاحتياطيين مساويا له... على أن يكون نصف المرشحين أصليا واحتياطيا على الأقل من العمال والفلاحين بحيث يراعى أن ترتب أسماء المرشحين بالقوائم المقدمة من الأحزاب وبحيث تبدأ بمرشح من الفئات ثم مرشح من العمال والفلاحين أو الفلاحين أو العكس وهكذا بذاك الترتيب".
ولم يأت تعديل ديسمبر 1986 بشئ جوهرى يذكر، بل على العكس فقد ألغى المقاعد المخصصة للمرأة فى 31 دائرة، واستقطع من عدد مقاعد الدائرة مقعدا يشغل بطريقة فردية، لكنه لم ستبعد عنها الصفة الحزبية، "فيكون لكل دائرة عضو واحد يتم انتخابه عن طريق الانتخاب الفردى، ويكون باقى الأعضاء عن طريق الانتخاب بالقوائم الحزبية".
واللافت أن هذا القرار رقم 901/1976 لم ينفذ إلا بصدور القرار الجمهورى رقم 206 لسنة 1990 فى شأن تحديد الدوائر الانتخابية، والذى قضت مادته الأولى بأن تقسم الجمهورية إلى 222 دائرة انتخابية. ويحدد نطاق مكونات كل منها طبقا للجدول المرفق.
ومن الأهمية الإشارة إلى أنه أخذ بمعيار الكثافة السكانية لتحديد الدوائر. ولهذا تراوحت الدوائر ما بين 25 دائرة بمحافظة القاهرة، و14 دائرة بالجيزة،وإلى دائرتين بمحافظات مطروح والبحر الأحمر والوادى الجديد، وجنوب سيناء.
وقضت المادة (15) من القانون بأن انتخاب عضو المجلس يكون بالأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة التى أدلى بها فى الانتخاب، فإذا كان المرشحان اللذان حصلا على الأغلبية المطلقة من غير العمال والفلاحين، أعلن فوز الحاصل منهما على أكثر عدد من الأصوات، وأعيد الانتخاب فى الدائرة بين المرشحين من العمال والفلاحين اللذين نالا أكبر عدد من الأصوات وفى هذه الحالة يعلن فوز الحاصل منهما على أكثر عدد من الأصوات، أما إن لم يتوافر الأغلبية المطلقة لأى مرشح فى الدائرة، أعيدت الانتخاب بين الأربعة الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات، شريطة أن يكون نصفهم من العمال أو الفلاحين، وفى هذه الحالة يعلن فوز الاثنين اللذين حصلا على أعلى الأصوات شريطة أن يكون أحدهما عاملا أو فلاحا. وإذا خلا مكان عضو بالمجلس قبل انتهاء مدة عضويته، أجرى انتخاب تكميلى لانتخاب من يحل محله، وفى الحالتين تستمر عضوية العضو الجديد حتى يستكمل مدة عضوية سلفه.
وبينما جرت انتخابات مجلس الشعب المتتالية من سنة 1972 حتى 1995 فى ظل القواعد المتقدمة، إلا أنه اعتبارا من انتخابات سنة 1990- 1995 بدت المشاكل تطل برأسها والطعون توجه إلى هذه الانتخابات، كما بدأ التشكيك فى فوز غالبية المرشحين، والإدعاء بمخالفة قرار وزير الداخلية بإعلان نتيجة الانتخابات.
وقد أصدر المشرع القانون رقم 13 لسنة 2000 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956- بعد أن أحاطت بانتخابات مجلس الشعب 1995 شبهات كثيفة فى أنها جاءت بمن لا يستحق تمثيل الأمة والنيابة عنها، خاصة وأن بعضهم قد وصل إلى المجلس بعد وقوع جنايات قتل لم تشهد لها مصر مثيلا من قبل- بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية والقانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب والقانون رقم 120 لسنة 1980 فى شأن مجلس الشورى. واللافت أن هذه القانون لم يعرض على قسم التشريع بمجلس الدولة بالمخالفة لحكم المادة 63 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972، وبالتالى كانت صياغته القانونية غير دقيقة فى كثير من العبارات والنصوص. كما انطوت المادة (36) على تعديلات طفيفة، هى أن توقيع المحضر يكون من رئيس اللجنة العامة ورئيس لجنة الأشراف القضائى وأمين اللجنة العامة بعد أن كان يتم من رئيس لجنة العامة وجميع أعضائها بالجلسة، كما استحدث التعديل عبارة "وذلك خلال ثلاثة أيام" هى المدة التى كان يتعين إرسال المحضر وأوراق الانتخابات خلالها إلى وزير الداخلية مباشرة، وبالتالى أصبح من الممكن إرسالها فى أى وقت إليه.
أما النص المضاف فهو المادة 24 مكرر والتى قضت بتشكيل لجنة للإشراف القضائى على الاقتراع بمقر كل لجنة من اللجان العامة، وتتألف من رئيس وعدد كاف من أعضاء الهيئات القضائية، يتناسب مع مواقع المقار الانتخابية وعدد ما بها من لجان فرعية، ويصدر بتشكيل وتوزيع هذه اللجان وأمنائها قرار من وزير العدل بالتنسيق مع وزير الداخلية ويحدد القرار من يحل محل رئيس اللجنة عند غيابه أو مانع لديه، وتنسيق رئيس اللجنة العامة مع رئيس لجنة الأشراف القضائى لتوزيع العمل بين أعضاء هذه اللجنة، ويتابع رؤساء اللجان العامة سير عملية الاقتراع التى تتولاها اللجان الفرعية تحت الأشراف المباشر للجان الأشراف القضائى.
وفى 8 يوليو 200 فوجئ الجميع بصدور حكم المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 11 لسنة 13 ق دستورية عليا والذى قضى بعدم دستورية نص الفقرة الثانية من المادة 24 من القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية قبل تعديله بالقانون رقم 13 لسنة 2000 فيما تضمنه من جواز تعيين رؤساء اللجان الفرعية من غير أعضاء الهيئات القضائية، وذلك على سند من أن الدستور القائم قد أورد فى مادته الثانية والثمانين نصا غير مسبوق لم تعرفه الدساتير المصرية من قبل. مما يقطع بان المشرع الدستورى جزم بأن عملية الاقتراع يجب أن تخضع لإشراف أعضاء من هيئة قضائية ضمانا لمصداقيتها.
ونزولا لتنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا أصدر السيد رئيس الجمهورية قرارا بقانون رقم 167 لسنة 2000 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية والقانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب. وقد نصت المادة الأولى من ذلك القرار على أن يستبدل بنصوص المواد ل -24 الفقرتان الثانية والثالثة و31 و34 (الفقرة الثانية) و36 من القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية:-
مادة 24/2 يعين كل من رؤساء اللجان العامة واللجان الفرعية من أعضاء الهيئات القضائية، وبهذا أصبح أعضاء الهيئات القضائية هم الذين تولوا عملية الإشراف القضائى من بدايتها حتى نهائيتها فى جميع اللجان الانتخابية العامة والفرعية على السواء. وحتى يتم التوازن بين قلة عدد القضاة، تقرر إجراء الانتخابات على ثلاث مراحل وليست على مرحلة واحدة، مع دمج اللجان الفرعية حتى وصل عددها إلى 15253 لجنة حتى يمكن تحقيق أشراف فعال عليها.
أما المادة 24/3 فقد حولت للهيئة القضائية تحديد أعضائها الذين تختارهم للإشراف على عملية الاقتراع وترسل بيانا بأسمائهم إلى وزير العدل لينسق بينهم فى رئاسة اللجان، فقد حولت للهيئة القضائية تحديد أعضائها الذين تختارهم الإشراف على عملية الاقتراع وترسل بيانا بأسمائهم إلى وزير العدل لينسق بينهم فى رئاسة اللجان، وأتت المادة 31 بضمانة عملية إذ أوجبت على كل ناخب أن يقدم للجنة عند الإدلاء بصوته شهادة قيد اسمه بجدول الانتخاب، وأن يثبت شخصيته بأية وسيلة بما فى ذلك تعرف مندوبى المرشحين باللجنة على شخصيته، ويقبل أى من فقدت شهادة قيد اسمه بجدول الانتخاب متى كان مقيدا بجداول الناخبين باللجنة. بيد أن المادتان 34/2/36 فلم تأتيا بتعديلات جوهرية تؤثر فى العملية الانتخابية.
وبطبيعة الحال، فقد واجه تنفيذ القانون رقم 167 لسنة 2000 العديد من المشاكل تنبهت إليها المحكمة الدستور العليا وأشارت إليها فى حكمها وقدمت الحل لها وهى قلة عدد أعضاء الهيئات القضائية مجتمعة عن عدد الدائر الانتخابية التى تجاوز عددها خمسة وثلاثين ألف لجنة فى حين لا يتجاوز عدد رجال القضاء سبعة آلاف عضو، فضلا عن أن هناك رجال قضاء محظور عليهم المشاركة فى العملية الإشرافية على الانتخابات كمستشارى محكمة القضاء الإدارى الذين ناط بهم المشرع مهمة الفصل فى الصفات الانتخابية للمرشحين وأعضاء محكمة النقض المنوط بهم مهمة تحقيق الطعون المرفوعة فى صحة عضوية الأعضاء، كما أن العمل قد جرى على عدم مشاركة مستشارى المحكمة الدستورية العليا فى الانتخابات ، رغم عدم وجود ثمة مانع قانونى يحول دون مشاركتهم.
ومن الأهمية الإشارة إلى أن تصاعد الضغوط الخارجية والداخلية المطالبة بالإصلاح الديمقراطى فى مصر بشكل غير مسبوق، وسيادة حالة من الاحتقان والترقب فى الأوساط السياسية المصرية، قد خلق إحساسا داخل أروقة النظام الحاكم بضرورة اتخاذ إجراء جرئ يساعد على احتواء الضغوط المتزايدة ويثبت جدية التزام النظام الحاكم بالإصلاح الديمقراطى ويساعده على استعادة زمام المبادرة بعد أن كانت قوى معارضة فى الداخل وفى الخارج قد انتشلتها. لذلك قام الرئيس مبارك بتعديل المادة 76 من الدستور، مما استتبعها إصدار القانون رقم 174 لسنة 2005 بتنظيم الانتخابات الرئاسية فى 26 مايو 2005، وإدخال تعديل على القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية والقانون رقم 40 لسنة 1977 بتنظيم الأحزاب السياسية والقانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب، والقانون رقم 120 لسنة 1980 فى شأن مجلس الشورى.
ولم يأت القانون رقم 174 لسنة 2005 بشأن تنظيم الانتخابات الرئاسية بجديد عن القوانين التى سبقته بشأن التعديل الدستوري، إذ جاءت نصوص ذلك القانون مرددة لنفس العبارات الواردة بالنص الدستوري، ويعود ذلك لاستغراق صناع التعديل الدستوري فى كافة الجزئيات التي من الواجب أن ينظمها القانون بحيث جاء لينظم عمل لجنة الانتخابات الرئاسية.
وقد جاء القانون رقم 73 لسنة 1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية معدلا بالقوانين أرقام 235 لسنة 1956 ولسنة 1958 و23 لسنة 1972 و76 لسنة 1976 والقرار بقانون رقم 41 لسنة 1979 والقانون رقم 46 لسنة والقرارات بقوانين أرقام: 2 لسنة 1987 و202 لسنة 1990 و220 لسنة 1994 والقانون رقم 13 لسنة 2000 والقرار بقانون رقم 167 لسنة 2000 والقانون رقم 173 لسنة 2005.
وأهم ما جاء به القانون رقم 173 لسنة 2005 هو إنشاء اللجنة العليا للانتخابات، وهى لجنة تنشأ بقرار من رئيس الجمهورية ويرأسها وزير العدل وبعضوية ثلاثة من رجال القضاء الحاليين وستة من الشخصيات العامة غير المنتمين إلى أى حزب سياسى يختار مجلس الشعب أربعة منهم على أن يكون اثنان منهم على الأقل من أعضاء الهيئات القضائية السابقين ويختار مجلس الشورى اثنين احدهما على الأقل من أعضاء الهيئات القضائية السابقين، وذلك لمدة ست سنوات ويختار كل من المجلسين عددا مساوياً احتياطيا إضافة إلى ممثل لوزارة الداخلية - م 3 مكرر. ويؤخذ على هذه اللجنة المستحدثة والتى من المفترض أن يوكل إليها كل إجراءات العمليات الانتخابية العديد من الاعتراضات.
وفى ذات المادة 24/4 وهي معدلة بالقانون 173 لسنة 2005 ما زال مسلسل ضلوع السلطة التنفيذية متمثلة فى وزارة الداخلية مستمراً حيث تنص المادة على (ويصدر بتشكيل اللجان العامة والفرعية وأمنائها قرار من رئيس اللجنة العليا للانتخابات بالتنسيق مع وزير الداخلية...) وهذا يتنافى مع العلة التى دفعت بجميع القوى السياسية للمطالبة بإنشاء هذه اللجنة التى من الواجب فيها أن تتمتع بالحيادية، ولكن لماذا التنسيق مع وزير الداخلية؟ إذا كان لوزارة الداخلية من دور فى عمل اللجنة، فهو تعاوني أو تنسيقي لتسهيل عملها، ويجب أن يكون عن طريق مندوب الوزرة الذى هو عضو بهذه اللجنة، أما أن يكون تشكيل اللجان العامة والتى يرأسها قاض، فليس هنالك دواعي تقتضى تدخل وزير الداخلية اللهم إلا إذا كان ذلك الأمر وذلك الاشتراط مرتبط بما يحدث من القضاة من مطالب معبرة عن نزاهة الانتخابات والإشراف القضائي الكامل، وهو الحديث الدائر حتى ما قبل انتخابات رئاسة الجمهورية بأيام قليلة.
المادة 34 وهي من المواد التى لم تمتد إليها يد التعديل الأخير تنص على أنه (يعلن رئيس اللجنة الفرعية ختام عملية الاقتراع متى حان الوقت المعلن لذلك، وتختم صناديق أوراق الانتخاب أو الاستفتاء ويقوم رئيس اللجنة بتسليمها إلى رئيس لجنة الفرز، وتكون لجنة الفرز برئاسة رئيس اللجنة العامة وعضوية اثنين من رؤساء اللجان الفرعية يختارهما رئيس اللجنة العامة، ويتولى أمانة لجنة الفرز أمين اللجنة العامة، وذلك بحضور رئيس كل لجنة فرعية أثناء فرز أوراق الانتخاب أو الاستفتاء الخاصة بلجنته، وللجنة الفرز أن تعهد إليه بإجراء هذا الفرز تحت إشرافها).
أما القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب فقد تم تعديله بالقوانين أرقام 16 لسنة 1974 و109 لسنة 1976 و14 لسنة 1977 والقرارات بقوانين أرقام 21 و22 و 23 لسنة 1979 والقانونين رقمى 114 لسنة 1983 و188 لسنة 1986 والقرار بقانون رقم 201 لسنة 1990 والقانون رقم 13 لسنة 2000 والقرار بقانون رقم 167 لسنة 2000 والقانون رقم 12 لسنة 2002 والقانون رقم 175 لسنة 2005.
وفى القرار رقم 175 لسنة 2005 نجد أن البند الرابع من المادة (5) بشأن الترشيح لعضوية مجلس الشعب قد اشترطت فى العضو "أن يكون حاصلا على شهادة إتمام مرحلة التعليم الأساسى أو ما يعادلها على الأقل، ويكتفى بإجادة القراءة والكتابة بالنسبة إلى مواليد ما قبل أول يناير سنة 1970". كما نال المادة (11) التعديل أيضا حيث جعلت المرشح يلتزم فى الدعاية الانتخابية بمبادئ الدستور والقانون فضلا عن القواعد الخاصة بالوسائل والأساليب المنظمة للدعاية الانتخابية بما فيها الحد الأقصى الذى لا يجوز تجاوزه فى الإنفاق على تلك الدعاية، والتى يصدر بها قرار من اللجنة العليا للانتخابات.
خاتمة:
أخيرا ثمة شبه إجماع مصرى على أن التشريعات الإصلاحية الأخيرة قد اصطبغت بطابع الحزب الوطنى الديموقراطي وبمصالحه المتشعبة والمتجذرة داخل البنيان المصرى، وبالتالى أثارت خيبة أمل شديدة لدى الجميع وعلى وجه التحديد لدى أحزاب المعارضة.
وعلى الرغم من العور القانونى الذى أصاب التعديلات الأخيرة سواء الدستور أو قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس الشعب والشورى، فإن مصر وهى تمر بمرحلة جد خطيرة على مدار تاريخها كله فى أمس الحاجة إلى وضع إستراتيجية من أجل إقامة حكم تمثيلى حقيقى لكل فئات الشعب، بمعنى أنه لابد أن يكون البرلمان القادم برلمان ديموقراطي جاء عن طريق انتخابات نزيهة وشفافة. فلا مانع من وجود مراقبة للانتخابات سواء كانت محلية أو دولية. ومن أجل ذلك لابد من الاتصال مع مؤسسات وحركات المجتمع المدنى، وبالأحرى، النقابات المهنية ونقابات العمال والمنظمات النسائية. وأخيرا، لا بد من تنقية الكشوف الانتخابية، المعضلة الأساسية في العملية الانتخابية في مصر ليس فقط في الانتخابات البرلمانية ولكن كانت أيضا فى الانتخابات الرئاسية السابقة، مما أدى إلى منع العديد من المواطنين الإدلاء بأصواتهم، كما أن تلك الكشوف مازالت تحتوى على أسماء العديد من المتوفين فى حين تخلو ممن هم على قيد الحياة. ولابد من الإشراف القضائي الكامل على سير العملية الانتخابية وتوفير الأعداد اللازمة من القضاة، ودعم استقلال القضاء بحيث يصبح ثقلاً موازياً للسلطة التنفيذية. والنظر فى مراجعة وتنقيح القوانين المتعلقة بالأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية بالمشاركة جماعياً فى السياسة.